لم اكن اصدق ان الملائكة تعيش بيننا،ويمشون علي الارض،لم اشعر بذلك الا بعد ان توفيت والدة زوجتي منذ ايام قليلة،بعد صراع مع المرض استمر قرابة العام وهي صابرة محتسبة،راضية بقضاء اللة وقدرة.
عرفت هذة السيدة الفاضلة وانا في سن الرابعة والعشرين من عمري،بعدما تخرجت وتقدمت لخطبة ابنتها الرقيقة(زوجتي العزيزة حاليا)،فقد قابلتني هذة السيدة الفاضلة بالترحاب و الفرح والسرور،ولم اكن وقتها علي قدر من اليسر ووفرة المال،الا انها استقبلتني بكل ترحاب وقالت لي وبالحرف الواحد”يابني لا تخف ان ابنتي لك وانت لها،فالطيبون للطيبات”.
يا بني ان الرسول(ص) قال”إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه،إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” صدق رسول اللة.
وانت يا بني شاب متدين وعلي خلق،وانا اعرفك واعرف اهلك،فنعم الزوج لابنتي ونعم النسب لنا.
لم انسي لها هذا الفعل و الصنيع فكان قد تقدم لخطبة ابنتها(زوجتي) و التي احببتها من كل قلبي،من هو ايسر مني حالا واوفر مني مالا، ولكنها قدمتني علي كل هؤلاء بفضل كرمها وحسن اخلاقها.
ظلت ترعاني كما كانت ترعي زوجتي واولادي جيهان وايمان وسوزان و الصغير عصام،كذا ترعي اخواتها وابنائهم،تشاركهم افراحهم وتشاطرهم احزانهم.
كانت ترعي الفقراء و المساكين و المحتاجين وابناء السبيل وتساهم في اعمال الخير و البر والعطاء.
كانت تؤثر الغير علي نفسها حتي ولو كان بها خصاصة،فاتذكر انة قد اتيح لي الحج الي بيت اللة الحرام انا وزوجتي عام 92 ضمن بعثة حج علي نفقة الدولة وسمح لي ان ترافقني والدتي (والتي لم تستطع الحج لمرضها ذلك العام،رحمها اللة) فعرضت علي والدة زوجتي ان ترافقني صحبة ابنتها للحج معي الي انها فضلت ان يحل مكانها والدتها المصونة رحمها اللة،والتي تحملت هي الاخري نفقات الحج بكاملها رغم انة كان يمكن توفير هذة النفقات الا انها اصرت علي الحج من مالها الخاص.
فنعم الام الكبري ونعم الام الصغري ونعم الابنة فكلهن اتين من نبع واحد.
تركت لها زوجتي طفلنا الرضيع(عصام)ابن ال45 يوما لترعاة اثناء ادائنا لفريضة الحج،حيث تعرض الرضيع عصام لحالة من الجفاف وقارب علي الموت بسبب عدم رضاعتة من الام،فاحتضنتة هي وسهرت علية وداوتة حتي شفائة،ولم تخبرنا بالامر الا بعد عودتنا من الحج،فحمدنا اللة علي فضلة وشكرنا لها صنيعها،الا انها قالت لا تشكروني هذا واجبي،وهو طفلي وفلذة كبدي،فاشكروا اللة تعالي علي ان شفاة وعافاة واحمدوة حمدا كثيرا.
وتمر السنوات ويكبر الطفل عصام حتي صار طبيبا وحمل جدتة الي مثواها الاخير معترفا وابية بصنيعها وفضلها في انقاذ حياتة وتربيتة واخواتة.
لم تشتكي يوما لاحد حتي ولو اصابها مرض او مكروة اوالمت بها ضائقة،فكانت تبدي لنا ولمن حولها افراحها وتخفي عنا احزانها.
وقفت معي طيلة حياتها بعد زواجي،وفرحت معي لفرحي وسروري حين رزقني اللة باولادي من البنين والبنات وكانت تغدق عليهم المال و الهدايا والعطايا وتفيض عليهم من مشاعر الحب و الحنان و المودة والرحمة.
واساتني في وفاة اخي الاكبر واختي الصغري ووالدتي،ووقفت معي وبجانبي ولم تتركني،حتي احسست انها معي في كل وقت وحين، انها امي الثانية.
لم يصدر منها لفظ او قول او اشارة او فعل،طيلة 45 عاما يغضبني او يمس احساسي او شعوري،فلقد كانت حريصة علي ان تكون هي الام و الصدر الحنون لكل بناتها وازواجهن واخواتها واولادها.
لم اقدر اواحب امراة في حياتي مثلما قدرت واحببت امي ثم والدة زوجتي التي اتحدث عنها،فهن مع زوجتي واولادي البنات كلهن من مشكاة واحدة.
لو كنت اعلم وقت الفراق ولحظة الوداع،ما افترقت عنها ولو للحظة واحدة في حياتي،لما لها من فضل علي وعلي زوجتي واولادي،فقد كانت مثالا للحب والحنان والعطف والرحمة والعطاء والوفاء
قل ما شئت فلقد كانت ملاكا يمشي علي الارض.
لكي الجنة يا اماة،يانبع الحب و الحنان و البذل و العطاء،جزاكي اللة عنا خير الجزاء واجزل لك كثير العطاء واسكنك جنان السماء و الفردوس الاعلي ان شاء اللة.
قال الرسول(ًص) في حديث شريف:
“مَن كان له ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّةُ ألبتةَ، قيل يا رسولَ اللهِ: فإن كانتا اثنتينِ؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة” صدق رسول اللة(ص) رواه أحمد وصححه الألباني.
حقا فقد ربيتي يا اماة اربعة من البنات كفلتيهن واحسنتي تربيتيهن وتاديبيهن وزوجتيهن خير ازواج،وانجبن زرية واحفادا، كلهم يسبحون بحمد اللة وفضلة ومن بعد،فضل هذة السيدة العظيمة رحمها اللة واسكنها فسيح جناتة.
بسم اللة الرحمن الرحيم
” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
صدق اللة العظيم (الكهف)
ابن مخلص