مواهب بلدنا

قصة قصيرة “أم لم تلدني ” بقلم ابن مخلص

قصة قصيرة

أم..لم تلدني

منذ اكثر من  45 عاما،تقدمت لخطبة فتاة رقيقة وجميلة هي زوجتي حاليا،واستمرت الخطبة مدة عامين تقريبا ثم تزوجت منها،ولازلت انعم بهذا الزواج السعيد طيلة هذة الاعوام و التي مرت سريعا.

حينما تقدمت لخطبة زوجتي تقابلت مع والدتها المصونة و التي كانت في هذا الوقت في منتصف الاربعين من عمرها،فقد تزوجت هذة السيدة الفاضلة وهي ابنة السادسة عشر عاما،وانجبت 4 اطفال كلهم من البنات،ثم حدث انفصال بينها وبين زوجها(رحمه اللة) واعتقد ان من بين اسباب الانفصال هو رغبة الزوج في انجاب اولاد ذكور،ورفضة الامتثال لامر اللة تعالى وقضائة.

قال تعالى:

 لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)”(الشورى)

فكان خيار الانفصال مطلبها الذي تحقق بناء على رغبتها ورضيت بما كتبة اللة لها.

ظلت هذة السيدة الفاضلة طيلة هذا العمر منذ سن العشرين وحتي الان اي ما يقرب من الستين عاما بلا زواج،تقوم بتربية اولادها البنات حتي كبرن وتخرجن من المدارس و الجامعات وتزوجن خير رجال،ثم اخذت تربي احفادها كذا اخوتها الصغار حتي كبروا ايضا وتخرجوا من الجامعات وتزوجوا وانجبوا  اولادا.

كما كانت ترعي ايضا والدتها المؤمنة المتدينة حتي وفاة الاخيرة في سن متقدم من العمر.

لا زالت هذة السيدة الفاضلة تؤدي واجبها حتي الان وقد قاربت على الثمانين عاما،قضتها كلها في طاعة اللة سبحانة وتعالي.

كانت ترعي الفقراء و المساكين وتمد اياديها البيضاء للمحتاجين و العابرين وابناء السبيل.

تقوم عاما بعد عام بزيارة بيت اللة الحرام لاداء فريضة الحج و العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف.

كلما دخلت عليها منزلها اجدها تصلي وتقرأ القرأن وتسبح بحمد اللة تعالي وتستمع لاذاعة القرأن الكريم،وكانت تدفعني الي الصلاة وتحثني على الصوم

و الزكاة و الصدقة واحترام الكبير و الصغير.

كانت تؤثر الغير على نفسها في كل شئ لدرجة انها وضعت صور فوتوغرافية لوالدها و والدتها واخواتها وابنائهم وبناتها واحفادها وافراحهم في لوحات على جدران المنزل ولم تضع صورة لنفسها وذلك لشعورها بالسعادة و الرضا وهي تحتضن كل افراد العائلة صغيرا وكبيرا وتقوم على خدمتهم ورعايتهم.

اتذكر انة حينما تقدمت لخطبة ابنتها(زوجتي)قلت لها “ماذا تريدين يا حاجة ان اقدم لخطيبتي شبكة من ذهب اوحلي ثمينة” قالت لي وبالحرف الواحد

“يا “فلان” ان اعطيتك فلذة كبدي ابنتي وهي كل ما املك في حياتي،فهل يساوي ما تقدمة لي مهما غلا ثمنة من ذهب او فضة ما قدمتة اليك .. ابنتي هي جزء من نفسي وحياتي!”

وحينما اقترب موعد الزفاف كنت اقول لها ” ماذا اقدم لزوجتي(ابنتها) من مهر ومؤخر صداق واثاث لمنزل الزوجية، فكانت تقول يا ابني ان الحياة كلها امامكم وبين ايديكم،بتوفيق من اللة سبحان وتعالي،املؤا حياتكم وبيتكم بالامل

 و السعادة و الحب و المودة و الحنان و الرحمة وهذا افضل ما يمكن ان تقدمة لابنتي من مهر ومؤخر واثاث.

قدم ما شئت وافعل ما شئت انت وزوجتك معا و انا راضية عنكما ليوم القيامة طالما انكما متحابين ومتعاونين وسائرين على نهج وطريق طاعة اللة ورسولة.

لقد ذكرتني حينئذ بوالدتي( رحمها اللة) فقدعاشت هي الاخري اكثر من ستين عاما بعد وفاة والدي عام 1962 ولم تتزوج وقامت بتربيتي انا واخواتي الخمسة من الذكور و الاناث حتي تعلمنا وتخرجنا جميعا وشغلنا مراكز مرموقة في المجتمع وتزوجنا وانجبنا ذرية صالحة،ومات اثنان من اخواتي البنين

 و البنات وامي صابرة محتسبة راضية بقضاء اللة وقدرة(رحمها اللة واسكنها فسيح جناتة).

 اكتب هذة الكلمات الان  ويمر علي زاوجي هذة الايام من ابنة هذة السيدة الفاضلة(والدة زوجتي) اثنين واربعون عاما،امضيتها بحب وصدق واخلاص مع زوجتي واولادي وبين ربوع  هذة الاسرة الكريمة وفي رحاب هذا البيت الكبير الملئ بالحب و العطاء و الايمان و الحنان و التقوي بيت هذة السيدة العظيمة.

وما يحزنني كثيرا الان ان (امي..التي لم تلدني)والدة زوجتي اصبحت الان بلا حراك فقد اصيبت بنزيف حاد ومفاجئ بالمخ افقدها الحس و السمع و البصر

و الحركة،ولم يبقي لها من فعل او احساس سوي امساكها بمسبحة بيدها لا تستطيع ان تفصلها عن اناملها مهما فعلت انت،فهي تسبح اللة عز وجل كما كانت تفعل من قبل طيلة العمر،وان سقطت المسبحة من يدها فهي تسبح بأناملها وهي لا تشعر(سبحان اللة الواحد الاحد علي هذا الايمان العجيب).

قال تعالى:

 (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (33) وَكَأْساً دِهَاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّابًا (35) جَزَاء مِن رَبِّكَ عَطَاء حِسَاباً(36)  (النبأ)

لقد نصحنا الاطباء ان نحاول ان نكلمها او ننبها بالحديث معها او بجوارها وهم يعلمون جيدا انها لن ترد او تشعر بما نفعل او نقول،ولكن ارادة اللة فوق ارادة البشر و الطب و الاطباء.

ما كان من اولادها الا ان قاموا بفتح الراديو على اذاعة القرأن الكريم بجانبها طوال اليوم لتستمع الى ايات من ذكر اللة الحكيم لمشاهير القراء كما كانت تحب طوال حياتها.

لقد شاء اللة تعالي بالامس ان يعجل بقضائة ورحمتة واختيارها للقائة ليجازيها خير الجزاء عما فعلتة في الحياة الدنيا،ويخفف عنها الام المرض وعنا واولادها صعوبة انتظار الفراق.

ادعو اللة تعالي ان يشملها ونحن معها برحمتة ورضائة انة جل شأنة الرحمن الرحيم،والتمس منكم جميعا الدعاء لهذة السيدة الفاضلة الطاهرة التقية النقية ان يسكنها اللة فسيح جناتة،وان يتجاوز عن سيئاتها وان يزيدها في احسانها وان يبدلها دارا خيرا من دارها واهلا خيرا من اهلها و زوجا خيرا من زوجها واولادا خيرا من اولادها، وان يغسلها بالماء والثلج و البرد، وينقيها من الذنوب كما ينقي الثوب الابيض من الدنس.

انة تعالي مجيب الدعاء

بسم اللة الرحمن الرحيم

“إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)” .صدق اللة العظيم (القمر)

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى