قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الإسراء) أسرى الله بنبيّه محمّد صلّى الله عليه و سلّم ليلآ من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، فصلّى فيه الرّسول و رجع إلى مكّة في نفس اليوم، و هذا ما أخبر به قرآننا الكريم، و سنتحدّث في هذا المقال عن تفاصيل هذه القصة.
بينما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نائمآ في الحجر أتاه جبريل عليه السّلام، فهمزه بقدمه، فجلس رسولنا الكريم فلم يرَ شيئا، ثمّ عاد إلى مضجعه، فجاءه مرّةً ثانية فهمزه بقدمه، فجلس و لم يرَ شيئا، ثمّ عاد مرّة أخرى إلى مضجعه، فجاءه مرّةً ثالثة فهمزه بقدمه، فجلس رسولنا الكريم، و أخذ جبريل بعضده، و حينها قام رسول الله معه، و خرج به جبريل إلى باب المسجد، فإذا رسول الله يرى دابّةً بيضاء بين البغل و الحمار، في فخذيها جناحان تحفّز بهما رجليه، ثمّ وضع جبريل يده في منتهى طرف الرّسول فحمله عليه، و خرج معه. مضى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بصحبة جبريل عليه السّلام حتّى انتهى به المطاف إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم و موسى و عيسى في نفرٍ من الأنبياء، فأمّهم رسول الله في صلاته، ثمّ أُتى جبريل رسول الله بوعائين، في أحدهما خمر، و في الآخر لبن. قال : فأخذ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إناء اللبن و شرب منه، و ترك إناء الخمر.
فقال له جبريل : هديتَ للفطرة، و هديت أمّتك يا محمّد، و حرّمت عليكم الخمر. ثمّ عاد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إلى مكّة. في صباح اليوم التّالي اجتمع الرّسول الكريم في قبيلة قريش و أخبرهم بما حصل معه، فقال أكثر النّاس: و الله هذا الأمر لبيّن، و إنّ الرّسول لصادق ٌ آمين، و إنّ العير لتطرد شهرآ من مكّة إلى الشام مدبرة، و شهراً مقبلة، فقال العير إنّ هذا القول لا يصدّق أفيذهب محمّدٌ ويرجع إلى مكّه في ليلة واحدة ؟!
قال جبريل : فارتدّ كثيرٌ ممّن كان قد أسلم، و ذهب النّاس إلى أبي بكر، فقالوا له : يا أبا بكر إنّ صاحبك محمّد يزعم أنّه قد جاء من بيت المقدس وصلّى فيه و رجع إلى مكّة، فقال لهم أبو بكر : إنّكم تكذبون على رسول الله، فقالوا : بلى، ها هو الرّسول في المسجد يحدّث الناس بما حدث معه، فقال أبو بكر : و الله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فما العجب من ذلك ! فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر يأتيه من الله من السّماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد ممّا تعجبون منه. أقبل أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، فقال : يا رسول الله، أحدّثت القوم أنّك كنت في بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال الرّسول : نعم، قال : يا رسول الله، صف لي ذلك المسجد، و أخذ الرّسول يصف و يحدّث أبا بكر عن بيت المقدس، فقال له أبو بكر: أشهد أنّك رسول الله، و كان يكرّرها كلّما وصف له شيئاً رآه.