تجددت فتاوى المؤسسات الدينية، قبل بدء رمضان، حول رخصة المفطرين فى الشهر الكريم، فحددت دار الإفتاء ومشيخة الأزهر عدة مهن وشخصيات تستطيع الإفطار فى «رمضان»، فيما اختلفوا حول إفطار لاعبى المنتخب المصرى الذين سيخوضون مباريات كأس العالم فى روسيا فى يونيو المقبل.
وأكدت دار الإفتاء، فى عدد من الفتاوى، عبر موقعها الرسمى، على جواز إفطار مريض السكر الذى لا يمكنه الاستغناء عن الماء ولا عن الغذاء، وأن عليه قضاء ما أفطره بعد زوال العذر، فإن كان عذره مستمراً وجبت عليه الفدية ولا قضاء عليه، وحددت الدار الفدية بأنها إطعام مسكين واحد عن كل يوم، ويجوز إخراج القيمة، وكذلك يجوز إفطار كل مريض لا يستطيع أن يصوم فى رمضان ويستطيع أن يقضى بعد رمضان، وإن دام مرضه بأن كان مرضه مزمناً وجب عليه أن يُخرج الفدية، وهى إطعام مسكين عن كل يوم، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيناً».
وأجازت الدار إفطار المرضع فى رمضان إذا لم تقدر على الصوم خوفاً على نفسها أو خوفاً على نفسها وولدها معاً، ثم تقضى عن كلِّ يومٍ يوماً، وإن أفطرت خوفاً على ولدها فقط فعليها القضاء مع الفدية عن كل يوم إطعام مسكين، ويجوز إخراج قيمة الإطعام، كما أباحت الإفطار للمرأة التى تُجرى التلقيح المجهرى: «يمكن أن تُتم بعد الإفطار، فلا يجوز للمرأة الفطر فى هذه الحالة، أما إذا قرر الأطباء أن هذه الإجراءات لا بد أن تكون متتابعة، وأن حالة المرأة تستلزم إفطارها للحفاظ على جنينها فيجوز لها الإفطار شرعاً، وعليها القضاء عندما يتيسر لها ذلك، طبقا للآية الكريمة (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)». وأباح الدكتور شوقى علام، مفتى الديار، إفطار الطلاب فى رمضان بسبب الامتحانات، قائلاً: «الأصل وجوب الصوم على الطالب المكلَّف، فإن شقّ عليه الصوم وتحققت فيه شروط معينة جاز له الفطر، وهذه الشروط هى: كونه يتضرر بالصوم فى رمضان تضرراً حقيقياً لا موهوماً، وأن يغلب على الظن الرسوب أو ضعف النتيجة وتدهور المستوى بسبب الصوم، وكون المذاكرة مضطراً إليها فى شهر رمضان ولا يمكن تأجيلها، وألا يتجاوز فى الإفطار أيام الاحتياج والضرورة للمذاكرة أو الامتحانات إلى غيرها».
واختلفت المؤسسات الدينية حول إفطار اللاعبين فى رمضان، فقال الأزهر، فى فتوى رسمية إنه يشترط لوجوب الصيام على المسلم الإقامة، فلا يجب الصيام على المسافر، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون)، فإذا سافر الإنسان مسافة القصر جاز له أن يفطر ما دام فى سفره، أو إن لم ينوِ الإقامة أكثر من ثلاثة أيام فى المكان الذى سافر إليه، أما إذا نوى المسلم الإقامة أربعة أيام فأكثر انقطع عنه وصف السفر، ووجب عليه الصيام، وإتمام الصلاة.. وعليه فلا يجوز للاعبى كرة القدم الإفطار إذا نووا الإقامة فى سفرهم أربعة أيام فأكثر، ويمكن أن يجروا تمريناتهم ومبارياتهم بالليل ليسهل عليهم الأمر، فإن لم يتمكنوا من إقامة التمرينات، أو المباريات بالليل، وصاموا وشقّ عليهم الصيام مشقة بالغة لم يمكنهم تحملها ففى هذه الحالة يجوز لهم الفطر للمشقة، ولا يجوز لهم الفطر ابتداء لتوقع المشقة، فلا يجب التهاون بحرمة الشهر الكريم، بل يجب تعظيمه كما قال تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)».
وقال الدكتور على جمعة، مفتى الديار السابق، إن الواجب الصوم، ما لم يغلب على ظن اللاعب أن الصوم يؤثر فى أدائه، وكان مرتبطاً بعقد عمل مع ناديه، ولا مفر له من أداء المباريات فى نهار رمضان، مع كون هذا العمل هو مصدر رزقه، فله حينئذ الرخصة فى الفطر للضرورة، لأنه بمنزلة الأجير الملزَم بأداء عمله، أما التدريبات التى يمكن التحكم فى وقتها فيجب أن تكون فى أثناء الليل حتى لا تتعارض مع قدرة اللاعب على الصيام، وعلى المسئولين الالتزام بذلك.
وقالت الدكتورة آمنة نصير، عميدة كلية الدراسات الإسلامية السابقة، إن الشريعة واسعة اليسر ولم تأتِ بمشقة على الناس، ولا بد من توسيع دائرة المتاح لهم الإفطار فى رمضان، وأضافت: «لأصحاب المهن الشاقة كالزارعين والحمالين والبنائين، والذين يبذلون مجهوداً شاقاً، خاصة إذا جاء رمضان فى فصل الصيف، الإفطار، لأن أعمالهم تلك مصدر رزقهم الوحيد، ولعلمائنا فى الأزهر والإفتاء رخص بذلك»، وأوضحت أنه من المقرر شرعاً أن من شرائط وجوب الصيام القدرة عليه، والقدرة التى هى شرط فى وجوب الصيام كما تكون حسية تكون شرعية، فالقدرة الشرعية تعنى الخلوَّ من الموانع الشرعية للصيام، وهى الحيض والنفاس، وأما القدرة الحسية فهى طاقة المكلف للصيام بدنياً، بألا يكون مريضاً مرضاً يشق معه الصيام مشقة شديدة، أو لا يكون كبير السن بدرجة تجعله فى منزلة المريض العاجز عن الصوم، أو لا يكون مسافراً، فإن السفر مظنة المشقة، كما قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه».
وقال عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إنه لا بد ألا يكون المكلف يعمل عملاً شاقاً لا يستطيع التخلى عنه فى نهار رمضان، لحاجته أو لحاجة من يعول، فإن كان المكلف لا يتسنى له تأجيل عمله الشاق لما بعد رمضان، أو جعله فى لياليه فإن الصيام لا يجب عليه فى أيام رمضان التى يحتاج فيها إلى أن يعمل هذا العمل الشاق فى نهاره، لأنه محتاج إليه فى القيام بنفقة نفسه أو نفقة من عليه نفقتهم وخاصة من يعملون فى الحر الشديد، أو لساعات طويلة، وأضاف أن على هؤلاء تبييت النية من الليل، ولا يفطرون إلا فى اليوم الذى يغلب على ظنهم فيه أنهم سيزاولون هذا العمل الشاق الذى يعلمون بالتجرية السابقة أنهم لا يستطيعون معه الصيام.
مباشر القليوبية