فى الثامنة صباحاً، وقبل موعد فتح شباك التذاكر بساعة كاملة، توافد عشرات المرضى على مستشفى بنها التعليمى، واصطفوا أمام الشباك فى انتظار مجىء الموظف، حتى يتمكنوا من الحصول على تذكرة العيادات الخارجية فئة جنيهين، التى تتيح لهم الحصول على علاج مجانى، الأمر الذى جعل المرضى يتدافعون على الشباك، بعدما وقعت أعينهم على لافتة خشبية معلقة على شباك التذاكر، جاء فيها أن سعر تذكرة الكشف بعد الساعة 11 سوف تكون 5 جنيهات وهى تذكرة يطلقون عليها «تذكرة العلاج الاقتصادى»، ولا تتيح للمرضى الحصول على علاج مجانى من المستشفى.
«قسمت» ووالدها أصيبا فى حادث وانتظرا الطبيب نصف ساعة.. وممرضة تطلب من المرضى التوجه لمستشفى خاص لإجراء الأشعة
مع اشتداد التزاحم على شباك التذاكر قبل موعد عمله رسمياً، توجهنا إلى قسم الاستقبال والطوارئ بالمستشفى، وبمجرد الدخول إلى القسم، لم يكن أحد موجوداً سوى شخص يرتدى زياً مدنياً، يجلس على مقاعد الانتظار المواجهة للبوابة ومكتب موظف الاستقبال، توجهنا إلى غرف الملاحظات، فلم يكن أحد هناك أيضاً، سوى عدد قليل من أفراد طاقم التمريض، بالإضافة إلى سيدة تمسك بطفلتها صاحبة الـ12 عاماً، تحاول مساعدتها على السير داخل المستشفى.
بسؤال السيدة عن مكان الأطباء، أخبرتنا بأنها لم تر أحداً منهم منذ العاشرة مساءً، ولم يقم أى طبيب بزيارتها للاطمئنان على حالة طفلتها «رقية»، التى خضعت لعملية استئصال الزائدة الدودية، ومن قام بمتابعة حالتها وإعطائها الدواء وتركيب المحاليل هم أفراد التمريض، وبادرتنا بقولها: «من الساعة 10 بالليل لحد الساعة 8 الصبح، مفيش حد بص على بنتى، التمريض هو اللى قام بكل حاجة، وطلبوا منى إنى أمشّى بنتى، عشان دا هيساعدها إن معدتها تشتغل، وتقدر تخرج من المستشفى».
أثناء الحديث مع والدة «رقية»، كان صوت سيارة الإسعاف بالخارج يشير إلى قدوم حالتين لأب ستينى يُدعى «سعيد»، وابنته «قسمت» فى العقد الثالث من عمرها، يعانيان من كسور وسحجات وكدمات بالجسم، إثر سقوطهما أثناء استقلالهما دراجة نارية، توجه رجال الإسعاف إلى إحدى الغرف بالحالتين، لتبدأ رحلة البحث عن طبيب، استغرق الأمر نحو 10 دقائق، ولم يأت أحد، وبسؤال موظف الاستقبال، أخبرنا أن الساعة الثامنة صباحاً، وهذا موعد تغيير الورديات بالمستشفى، لذلك لا يوجد أطباء، وأنهم يقومون بالاتصال بالطبيب حتى يأتى للكشف على المصابين، واستمر الموظف فى الاتصال بالطبيب أكثر من مرة، وفى كل مرة يخبرهم بأنه فى الطريق، إلى أن وصلت الساعة 8:30 ولم يأت سوى طبيب امتياز، قام بمعاينة المصابين، حتى يأتى الطبيب المناوب، ومرت 15 دقيقة أخرى حتى جاء الطبيب المناوب أخيراً، وأعاد الكشف على الحالتين، وأخبرهما بسرعة التوجه لإجراء الأشعة التليفزيونية.
بعد ذلك، توجهنا إلى شباك التذاكر مرة أخرى، للحصول على تذكرتين، الأولى للكشف فى عيادة العظام، والثانية للكشف فى عيادة الباطنة، لرصد كيفية سير العمل بالعيادات الخارجية، داخل عيادة العظام، كان هناك نحو 6 أطباء يقومون بالكشف على المرضى بصورة جماعية داخل العيادة، شكوت للطبيب من ألم شديد فى كعب قدمى اليسرى، وبعد توجيه العديد من الأسئلة، أخبرنى بأن هذا الألم ناتج عن وجود نسبة كبيرة من الأملاح، ووصف لى بعض الأدوية، اثنان منها يتم صرفهما من صيدلية المستشفى، ونوعان آخران يتوجب علىّ شراؤهما من الخارج، لعدم وجود بديل لهما فى صيدلية المستشفى، وأثناء خروجى سألت الممرضة إذا أردت أن أقوم بعمل أشعة على القدم، للتأكد من عدم وجود عظمة شوكية، أخبرتنى بأن جهاز الأشعة الموجود فى المستشفى معطل، وإذا أردت عمل أشعة يجب علىّ التوجه لأحد المستشفيات الخاصة، التى تعمل بها، كما ذكرت اسمى مستشفيين آخرين.
وبمجرد أن سمعت إحدى المريضات، كانت تنتظر دورها أمام عيادة العظام، اسم المستشفيين، أخبرتنى بأن أسعار الأشعة عندهما مبالغ فيها وتصل إلى الضعف، ونصحتنى بالتوجه مرة أخرى إلى قسم الأشعة بالمستشفى، للتأكد من عمل جهاز الأشعة من عدمه، خاصة أنها قامت بإجراء الأشعة فى المستشفى قبل شهر، وبالفعل اصطحبتنى المريضة إلى قسم الأشعة، وهناك أخبرنا الطبيب بوجود عطل فى الجهاز، وأنه علينا التوجه إلى قسم الاستقبال، حيث يوجد جهاز للأشعة هناك، يتم تحويل المرضى عليه، وهو ما فسرته المريضة قائلة: «أغلب الممرضات يقمن بتحويل المرضى للمستشفيات الخاصة بدلاً من الحكومية، وخاصة أنهن يعملن هناك، بعد انتهاء عملهن بالمستشفى»، وأضافت: «كان من الأولى أن تخبرك بالتوجه إلى قسم الاستقبال، وليس للمستشفيات الخاصة».
الحال لم يختلف كثيراً داخل عيادة الباطنة، التى كان يوجد بداخلها 3 أطباء، يقومون بالكشف على المرضى فى وقت واحد، داخل العيادة اشتكى المحرر للطبيب من أنه يعانى من مغص شديد، وهو ما رد عليه الطبيب بعدم وجود أى أدوية لعلاج المغص فى صيدلية المستشفى، وأنه سوف يقوم بكتابة علاج له من الخارج، وأثناء وجودنا داخل العيادة، اشتكى أكثر من مريض من عدم توافر الأدوية التى وصفها الأطباء لهم، وهو ما رد عليه الأطباء بقولهم إن عدم توافر الأدوية ليس من اختصاصهم، ومن لديه شكوى يتوجه إلى مكتب مدير المستشفى ليشتكى هناك.
«عطيات السيد» إحدى المريضات، جاءت شكواها بعيدة تماماً عن مشكلة نقص الأدوية، حيث اشتكت من عدم قدرتها على إجراء «رسم القلب»، نظراً لعدم توافر الورق الخاص بالجهاز، الذى يطبع رسم القلب عليه، وردت إحدى الممرضات على شكواها بقولها: «يا ريت المشكلة واقفة على الورق، دا إحنا ماعندناش لا سرنجات ولا حتى كانيولات، وبنطلب من المرضى يشتروها من بره».
مباشر القليوبية