يعيش المصريون في شهر رمضان روحانيات وشعائر دينية وطقوس اجتماعية خاصة على مر العصور، ويأتي في مقدمة الشعائر الدينية الحرص على إقامة حلقات الذكر ، وقراءة القرآن الكريم في المساجد والمنازل، حيث كان علماء الأزهر الشريف وطلابه يحرصون على ختم القرآن الكريم وقراءة صحيح البخاري ومسلم ، وإقامة حلقات ذكر بالجامع الأزهر ومسجد الحسين وغيرهما، بالإضافة إلى صلاة التراويح، والانتشار في مساجد القاهرة والأقاليم لوعظ الناس وإمامتهم في الصلوات ، وقد جرت العادة في العصرالمملوكي أنه عند ختم القرآن بأحد المساجد يتم إقامة حفل مشهود، تُقرأ فيه القصائد ويُكبِّرُ المؤذنون جماعة، ثم يؤتى بفرس أو بغلة ليركبها القارئ الذي تولى قراءة الختمة، ويزفونه إلى بيته في موكب هائل.
كما اشتهر شهر رمضان على مدار العصور بانتشار أعمال البر والخير ، من الحكام والأعيان والتجار والعلماء ، وكل قادر، ببذل الصدقات وإطعام الفقراء ورصد الأوقاف ، لإقامة شعائر دينية ، وإعداد طعام وصدقات للفقراء والمحتاجين ، وكان يتسابق في ذلك جميع المصريين من ملمسن ومسيحيين ، كما يرصد المؤرخون أن المسيحيين في مصر كانوا يشاركون في مواكب استقبال رمضان ، وكان التجار منهم يزينون محلاتهم مع باقى التجار المسلمين ، وكان أصحاب المطاعم والمقاهي يقومون بإغلاقها في نهار رمضان، احتراما لقدسية الشهر الكريم ، وفرش المساجد وعمارتها ، وإنارتها وزينتها ، وغير ذلك من أوجه البر والخير والإحسان ، ومن هذا ما اعتاده السلطان برقوق في العصر المملوكي في كل شهر رمضان التصدق بلحوم خمس وعشرين بقرة يوميًا، بالإضافة إلى الخبز والأطعمة على أهل المساجد والسجون ، كما انتشرت الولائم وموائد الإطعام الخيرية في الطرقات ، وأمام المنازل لإطعام الفقراء ، وعابري السبيل، والتي تعرف الآن بموائد الرحمن.
أما المظاهر الاجتماعية فأبرزها الاهتمام بتزيين الطرقات والمنازل وإنارتها بالمصابيح ، وحمل الأطفال للفوانيس، تعبيرًا عن الفرحة بقدوم هذا الشهر الكريم، وتكثر الزيارات المتبادلة بين الأهل والأقارب، وحين يأتي المساء تبدو الشوارع مضاءة وصاخبة ويجتمع بعض الناس للتسامر ، والتسلية حتى قرب وقت السحور، وكان المصريون يحرصون قبل قدوم شهر رمضان على شراء أنواع شتى من الأطعمة كالبلح والياميش والمكسرات والحلوى ، وأنواع متعددة من المشروبات، وكان يتميز أول يوم رمضان بوجود حلوى وأكلات معينة من لحوم وغيرها على مائدة الإفطار .
وتأتي مهنة “المسحراتي” كأبرز خصوصيات شهر رمضان، وكان يجوب الشوارع في كل ليالي الشهر وينادي على الناس ويوقظهم لتناول وجبة السحور، وكان لكل منطقة في القاهرة والأقاليم مسحّرها الخاص ، وكانوا في الغالب يبدأون بإنشاد بعض الأشعار وقص بعض الحكايات الشعرية، ويطلقون المدائح والأدعية أمام منزل كل قادر على مجازاتهم، وكانوا يحملون في يدهم اليسرى ما يعرف بطبلة المسحّر، وفي اليد اليمنى عصا صغيرة أو سوطا يضربون به عليها. وكان يرافق كل مُسَحِّر صبي يحمل قنديلين في إطار من أعواد النخيل.