أقبلت على صديقى الذى يسير على الخط الفاصل بين العقل والجنون لأجده كمن يحمل جبال العالم فوق أكتافه وفهمت عذابه، حيث أننى أعلم بحالة الفراغ العاطفى التى يعيش فيها منذ فشل تجربة زواجه منذ سنوات،وعدم توفيقه فى أن يرسو على ميناء حب جديد وشعوره منذ رؤيته لعدد من الشعيرات البيضاء فى رأسه أن الخريف قد أدركه وقلت له : أمازلت تمارس دورالسجان القاسى وتسجن نفسك فى زنزانة الوحدة والحزن والبكاء على الأطلال ؟ فقال وهو ينظر لى بإستنكار : وماذا بقى لامثالى غير هذا بعد أن تخلت عنى رحمة السماء ،وبخل الزمن بأن يمنحنى فرصة جديدة للسعادة مثل التى منحها لألاف مروا بنفس تجربتى المريرة ؟ فرددت محاولا إضاءة خيط من شعاع الأمل فى نفسه: لا يأس مع الحياة وقد تدركك رحمة الله قريبا وبشكل لا تتصوره، فضحك ساخرا وقال : هل تظننى أحد مستمعى برنامجك الإذاعى الشهير الذى توزع فيه رحيق السعادة والحب والأمل على الملايين،وأنا أعلم مدى تعاستك بعد جفاف نهر الحب بينك وبين زوجتك تحت وطأة ضغوط الحياة والظروف المادية الصعبة التى تمر بها البلد كلها، فقلت له محاولا تغيير الموضوع : لكن قل لى ما هو سر خروجك يوميا بعد منتصف الليل ونحن فى الشتاء وسيرك فى شارع المدرسة المهجور الذى يخشاه الجميع ،ويقولون أن الأشباح والأرواح الشريرة الهائمة تعربد فى بيوته المهجورة ليلا بل، وتتلبس أجساد القطط التى تتجمع بأعداد كبير فيه ليلا لسبب غامض ؟ ولقد سرت فيه مرة ليلا وتملكنى الخوف خاصة عندما نظر لى قط كبير أسود اللون نظرة نارية غريبة فأسرعت الخطى لأخرج للشارع العمومى ففوجئت به يرد دون تفكير: ولهذا السبب الذى أخافك تحديدا أذهب يوميا إلى هناك وقبل أن أبدى دهشتى الكبيرة أردف قائلا : لقد يأست من حياتى تماما وقررت أن أرتاد عالما أخر هو العالم السفلى لقد قرأت كثيرا عن الأرواح الشيطانية التى تتلبس أجساد بعض القطط ليلا،لذا كان أهالينا يقولون لنا أن نحذر ضرب القطط الضالة أو ركلها ليلا ..إننى أسير فى هذا الشارع المظلم المهجور وأنظر للقطط لعلنى أجد ذلك القط الشيطانى الذى يختطفنى من فوق الأرض إلى ما تحتها حيث العالم السفلى عالم الأبالسة والشياطين فإما أن يعطوننى قوة ويعيدونى لعالم البشر وأنا أقوى مما أنا عليه بكثير فأكون أغنى الناس وأتزوج أجمل إمرأة فى العالم،وإما أن تتحقق رغباتى فى عالمهم بشكل أخر ولا بأس من أن أودع عالم البشر نهائيا وأودع معه التعاسة والحزن والوحدة القاتلة فصرخت به لعله يفيق :..هذا جنون هل تذهب للشيطان وتبيعه نفسك بمحض إرادتك وتظن إنه سيمنحك السعادة ولو فرض وكانت الروايات التى سمعناها صحيحة عن المتعة الوقتية فى مملكة الشيطان فمصيرك بعد زوال العالم معه فى النار المتقدة والعذاب الأبدى فرد بلهجة الإصرار قائلا : هذا كلام رجال الدين الذى كفرت به خاصة أنه لم يعد لنا أحد من السحرة أو من سعوا للشيطان مثلى ليقول لنا انه معذب لينصحنا بعدم السير فى نفس الطريق، وقد كنت أنوى الإنتحار لكنى وجدت هذه الأمر أفضل كثيرا ووفر نصائحك لنفسك يا صديقى فإنصرفت يائسا وبعد عدة أيام ذهبت لمنزل صديقى للإطمئنان عليه فلم أجده وبسؤال الأصدقاء والجيران قيل إنه شوهد منذ 48 ساعة ليلا هو يتجه إلى شارع المدرسة المهجور المظلم ثم إختفى إختفاءا غامضا،ولأننى أعرف كل أقارب صديقى ومعارفه بحكم صداقتنا الطويلة والعميقة إتصلت بهم جميعا فقالوا أنهم لم يرونه منذ فترة، وسألت عنه فى عمله فقالوا إنه تغيب بشكل مفاجئ منذ يومين ودون إجازة وغرقت فى دوامة الأفكار السوداء حول مصير صديقى الغامض ،وقررت الذهاب لشارع المدرسة قبل هبوط الظلام وسرت فيه لعلنى أجد ما يفسر إختفاء صديقى الغامض وقبل الوصول لنهاية الشارع تملكنى الرعب فقد شاهدت القميص والجاكت والحذاء الخاصين بصديقى وبطاقته الشخصية بجوار كوم من القمامة فسلمتهم للشرطة طالبا البحث عنه،وبعد بحث طويل لم تهتدى الشرطة لما يثبت خطف صديقى أو قتله بسبب السرقة خاصة وأنه لم يكن معه مبلغ مالى أومقتنيات تغرى بالسرقة، وهنا علمت أن رغبة صديقى المشئومة قد تحققت وإختطفه القط الشيطانى الذى كان يبحث عنه فالشيطان يسرع لمن يبحث عنه ولقد زارنى بعدها صديقى فى حلم ليؤكد لى هواجسى وطالبنى باللحاق به لانه ينعم بكل شئ ويشرب كؤوس المتعة بين أحضان نساء لا يوجد مثيل لجمالهن وسحرهن بين نساء الأرض ومنذ ذلك الحين وكلما إقتربت من شارع المدرسة الذى إنشق وإبتلع صديقى المغامر بروحه أسأل الله الغفران له وأساله أن يقوينى على همزات الشياطين وصوت صديقى الذى ينادينى لأغامر مثله ويدفعنى فضول أحمق لأدخل الشارع ليلا فى إنتظار القط الشيطانى الذى سيختطفنى للعالم السفلى حيث ذهب صديقى الذى ربما أنه مستمتع الأن كما صور لى فى ذلك الحلم الذى يشبه الكابوس حتى لو كان ثمن ذلك الخلود فى النار الأبدية فى اللازمن مع إبليس سلطان العالم السفلى الجالس على عرش مملكة الظلام.
مباشر القليوبية