لم يتخيل أن يضيع من عمره 45 عاماً خلف أسوار السجن بسبب “بقرة”! حيث يقول الرجل، الذي حصل على عفو رئاسي قبل أيام، “في عام 1972 كنت شاباً في الحادية والعشرين، حين وقعت مشاجرة بين عائلتنا في قرية الديابات، التابعة لمحافظة سوهاج (بصعيد مصر)، وعائلة أخرى من جيراننا، بسبب دخول بقرة طائشة مملوكة لنا أرضهم فدهست النباتات”.
وحكى كمال ثابت أقدم سجين في مصر، عن قصة والدته التي زارته في كل السجون التي ارتادها خلال مدة سجنه الطويلة.
وقال: وصلت لسجن «أبوزعبل» وبعت «جواب» لأمى مع عسكرى.. وبعد أسبوعين بالضبط لقيتها قدامى.. جاية من مسافة حوالى 700 كيلو ومعاها فلوس وأكل.. والحقيقة أن أكتر واحد تعب معايا هو أمى.. يعنى والله دى لفّت ورايا كل سجون مصر.. جت ورايا سجن بنى سويف وسجن سوهاج والمنيا وأسيوط والوادى الجديد ووادى النطرون وطرة وأبوزعبل.. مفيش مرة غابت.. وكل مرة تفرّحنى.. تعرف دى كانت توطى «تبوس يدى» وأنا الراجل اللى قتلت 3 وحاولت أقتل 2 تانى.. أبكى زى الطفل.. أقول لها: «يا امه ليه تبوسى يدى.. أنا اللى أوطى أبوس إيدك ورجلك.. أنا اللى تعبتك وخليتك رايحة جاية ورايا فى كل حتة..».. تقول لى: «يطوّل لى فى عمرك يا ولدى.. أنت لا فرحت بدنيتك.. ولا اتجوزت ولا فيه مَرَة تدفدف عليك وتراعيك واتخطفت بدرى.. أنا اللى آجى لك يا عمرى.. مش أنت ولدى الوحيد.. وانت راجلى بعد أبوك ما مات.. أنت ضهرى وسندى وهأفضل آجى لك لحد ما الأجل ييجى».. كانت قعداتنا مش كتير.. كان «يفرقها» أمر السجان.. بكلمة مشهورة «الزيارة انتهت».. كان يصعب عليّا أمى أنها تقوم بسرعة وتلم حاجتها.. وتمشى.. كنت بافرح ساعة ولا اتنين.. بس قلبى واكلنى عليها.. إزاى دى هتسافر كل المسافة دى.. وأحياناً كنت باطمّن لما يكون حد من ولاد أختى معاها وده حصل متأخر.. كانت هى عجّزت وكبرت وبرضه بتيجى.. بنفس الحماس وبنفس الزيارة.
والوضع استمر كده.. لحد سنة 2006.. أمى أصلاً مواليد سنة 23 وممكن تكون بعد كده بس هم كتبوها فى البطاقة أنها مواليد 1923.. المهم آخر زيارة ليها كانت فى أبريل 2006.. وبعد كده الزيارة طوّلت.. وامى ماظهرتش.. قلت ممكن يكون فيه ظروف.. ممكن يكون الأمر عادى.. فى الوقت ده كان بييجى يزورنى واحد وشه فقرى – يعنى نحس – قريبى أو بلدياتى.. اسمه منصور.. وكان منصور بيجيب أخبار كده وحشة.. كان حد مسلّطه عليّا.. وكان بيفرح وهو ينقل لى الأخبار دى.. معرفش كيف كان البنى آدم ده.. المهم جه مرة وقال لى يا «كمال».. أمك مش هتزورك تانى.. أمك ماتت.. كنت هاموت.. ماكنتش مصدق.. قلت الواد منصور اتجن ولّا بيلعب بيّا.. هزّيته.. قال لى والله ماتت فى شهر 6.. تعبت شوية.. وجت لها جلطة.. استحملت كتير.. يومها الدنيا اسودّت فى وشى.. وكنت عايز أخبط راسى فى الحيطان عشان أخلص.. افتكرت أن منصور ده هو اللى قال لى إن ابن عمى «شحات» مات.. قالها ببرود.. وشحات ده كان راجل بمعنى الكلمة.. أبوه سابه عمره 40 يوم.. ابوه عمى» «نور» اللى اتقتل قدام عينى وأنا أخدت تاره.. فـ«شحات» كان شايل لى ده.. وكان بييجى لى باستمرار كل شهر.. كان واد حلو كده.. ولما وصل سنه 25 سنة مات فجأة.. معرفش إيه اللى أصابه.. ماصدقتش.. وقلت للمأمور: «عايز أعمل تليفون للبلد.. عندى حالة وفاة».. طلبت وردت مرات عمى وقالت لى «شد حيلك يا كمال.. شحات مات».. كان تفكيرى يعود إلى 25 سنة مضت.. ويقود إلى أن من مات.. يبقى اتقتل.. وسألتها: «مين قتله».. قالت لى: «يا ولدى.. موت طبيعى.. محدش قتله.. ومفيش دم دلوقتى.. الناس اتغيرت والبلد اتغيرت.. أنت اللى لسة عايش فى توب قديم».. قفلت السكة وبكيت.. وعملت عزاء فى سجن طرة حوالى 10 أيام متواصلين.. ويومها جبت شيخ من أسيوط.. كان صوته حلو.. ويقرا والناس تسمع ومبسوطة وكأننا فعلاً فى بلدنا والناس بتعزينى.. بموت شحات زمان.. وبعده موت أمى اتكسرت وجالى ضغط وسكر.