أحزاب ونواب

اللواء عبد الرحمن راشد يكتب “تحصين الوعي وبناء الفكر”

 

“من المؤكد أننا لن نستطيع أن نضمن بقاءنا المستقبل ما لم نتبين التفكير العلمي، الملاحظ بدقة هو تراجع ريادة العقل الجمعي بإبداعاته المختلفة والمتنوعة، ما بين الفنون والآداب والإعلام بل والعلوم وربما التفاسير الشارحة للأديان والشرائع، والملاحظة الثانية هي تحول الحجم السكاني من قوة إيجابية  تعد أساسا ركينا داعما للقوتين الصلبة والناعمة للدولة، إلى مصدر ضعف وسبب  وهن العقل الجمعي، ولنتوقف عند هاتين الملاحظتين، لنذهب إلى سبب تحولهما السلبي.

أولا: لا يخفى على ملاحظ أن مصر عندما يقوى إبداعها الجمعي تقود الإقليم العربي، والإسلامي، والمسيحي الشرقي، والإفريقي، وربما تتصدر مبادئها الثائرة الساعية إلى التغيير إلى الأفضل حتى القارة اللاتينية، والمساحات الواسعة في شرق ووسط آسيا، والأطراف الجنوبية القارة العجوز أوروبا، وتكرر هذا النشاط الإنساني مرات عديدة في مفاصل التاريخ الحديث، ودلالات النتائج الايجابية ساهمت مصر في تشكيل ملامحها كمنظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة دول العالم الإسلامي، ودول عدم الانحياز، وجامعة الدول العربية ربما كانت تلك الأخيرة أولى الخطوات.

وفي مرحلة تاريخية شاسعة الأزمان، العقود متتالية – كانت مصر منارة ثقافية تقود نصف الكرة الجنوبي تجاه التحضر خطوة بأخرى موازية في سبيل التحرر، واتخاذ موقع في الوجود الإنساني الحديث، تلك المنارة الثقافية صاغت درعا للوعى المصرى مؤلفة من طبقات سميكة كطبقات الأرض الجيولوجية، فكانت كما صنفها الراحل المفكر ميلاد حنا تتألف الشخصية المصرية من أعمدة سبع، ثلاثة منها مرتبطة بالجغرافيا وهى العربية والأفريقية والمتوسطية، وعمودين مرتبطين بالتاريخ هما الفرعونية واليونانية – الرومانية، وعمودين للديانة وهما المسيحية والإسلام ، وربما الارتكان الدائم على تلك الأعمدة ما يصون الوعي العام.

 ولا شك في أن تلك القوى الداعمة للشخصية المصرية هي من واء الانتصارات المتتالية، كان من المحتم إذابة تلك الطبقات المتماسكة وتفتيتها، وهدم تلك الأعمدة الرواسي الشامخات، من تلك الملاحظة كانت السياسات العامة لاستراتيجيته المعادية، هو إبعاد مصر عن امتدادها الأفريقي، وتفلت ريادتها العربية، وانحسار تأثيرها الإقليمي من جانب، ومن آخر فقدانها للزعامة الروحية الإسلامية بتعظيم ادوار المنافسين الإقليميين تركيا وإيران وتقليل الدعاية العالمية المعادية من مكانة الأزهر الشريف، واستخدام المال والضغط السياسي لتسرب الكنائس التابعة للدول ذات الأهمية الاستراتيجية من تبعية الكنيسة المصرية الأم الكبرى.

الأمر الثاني هو تفتيت صلابة الشخصية المصرية من خلال التأثير بالتغير السلبي على مبادئها الإسلامية السمحة وتعاليمها المسيحية المحبة، ولا يخفى على الراصد الملاحظ تفجيرات بالمساجد كما هي بالكنائس والضحايا في النهاية أقباط مسلمون ومسيحيون مصريون، والقتلة من المؤدلجين الشاردين ،ومن خوارج الجيران والأعداء، ومن خلال اليات هدم النسق الإخلاقي والبنيان القيمی للشخصية المصرية بدعاوى التخلف والرجعية وخلق ما يسمى بالثنائية المضطربة في الوعي الجمعي.

كما ذكر الراحل الخالد زكي نجيب محمود: أن المشكلة الحقيقية هي كيف نوائم بين ذلك الفكر الوافد وبين تراثنا« وإيجاد ظرف يحقق انعدام تحقيق التوازن بين الأصيل والحديث ليأتي الحاضر مسخا بلا ملامح منتمية للتراب المصرى المؤلف من العناصر الأساسية والمتشابهة في تكوينه بتكوينات تراب وطنه من مواد معدنية ومحلول أرضي، بالإضافة إلى مكونات الهواء، هذا الإنسان القديم قدم التاريخ والمتحضر إلى ما بعد الحداثة، ولا أجد إنسانا على ظهر الكوكب منتمية لتراب أرضه كما المصري الذي عاش منذ سبعة آلاف عاما، وسيستمر إلى نهاية التاريخ”.

تعليق:

الاعمدة السبعة للشخصية المصرية

من كتاب المفكر الكبير الراحل ميلاد حنا المعنون بـ “الأعمدة السبعة للشخصية المصرية” والأعمدة السبعة هي الانتماءات التى عددها “حنا”  فى كتابه وأفرد لها فصولا تحدد هذه الانتماءات وهى على الترتيب:  انتماء مصر الفرعونى ثم اليونانى والرومانى ثم القبطى، ثم الإسلامى، ثم العربى، ثم البحر المتوسط، والانتماء السابع هو الأفريقى.

ينقسم الكتاب إلى عدة فصول ” الفصل الأول يتحدث عن مصر رقائق من الحضارات، والفصل الثانى يتناول الأقليات وأحداث الفتن، والفصل الثالث يعرض الأعمدة السبعة للشخصية المصرية، والفصل الرابع يتناول الانتماءات، والفصل الخامس يؤكد على أن الشخصية المصرية ليست قوالب متماثلة.

يرى مؤلف الكتاب د. ميلاد حنا، أن هذا الكتاب موجه إلى العقل، ينمى الوطنية، وهو كتاب ليس فى التاريخ أو السياسة أو علم الاجتماع، أو علم النفس، أو الفلسفة، وهو ليس عن الديموقراطية أو حقوق الإنسان، ولكــــــــنه كتاب للوحدة الوطنية.

يعرض الكاتب لرقائق الحضارة المصرية المختلفة والمتباينة ـ يطلق عليها أعمدة الشخصية المصرية ـ لكنها فى نفس الوقت مستمرة ومتصلة وهى التى كونت فى تتاليها الشخصية المصرية الحالية كما نعرفها.

“وبالفعل وصدقا كما قال الكاتب محمد نبيل كانت مصر منارة العالم الثقافية تجاه التحضر خطوة بأخرى موازية في سبيل التحرر والتقدم، واتخاذ موقع في الوجود الإنساني الحديث، تلك المنارة الثقافية صاغت درعا للوعى المصرى مؤلفة من طبقات سميكة كطبقات الأرض الجيولوجية”.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى