الرئيسيةتقارير

الحدائق التراثية بالقناطر كثير من التصريحات قليل من التطوير

تقرير – مصطفي صابر عيد :

فى عام 2017 أعلن الدكتور هشام الشريف، وزير التنمية المحلية الأسبق، أثناء زيارة له إلى مدينة القناطر الخيرية وحدائقها الملقبة بـ«حدائق الشرق» على مساحة 500 فدان، ضم الحدائق لمشروع الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، الخاص بتوثيق وإحياء الحدائق التراثية فى إطار الرؤية التى كانت موضوعة وقتها للحفاظ على تلك الحدائق وفى القلب منها القناطر الخيرية، لتكون متنزهاً يستقبل الزائرين فى جميع المواسم ومنطقة جذب سياحية واستثمارية.
وتمت الموافقة على بدء المرحلة الأولى من المشروع فور الانتهاء من الرسومات التنفيذية فى ضوء دراسة أعدت لهذا الغرض كشفت أن حدائق القناطر التراثية تعانى من تدهور الطابع المعمارى المحيط وعدم توافقه مع المبانى التراثية والأثرية وعدم صيانة النظم الميكانيكية للسدود وعدم استغلال الفراغات العامة واستخدام الجسور الأثرية لعبور السيارات والنقل الثقيل، حيث تم وضع حلول علمية للحفاظ على القناطر الخيرية التى تعكس مدى تقدم الدولة المصرية فى ذلك الوقت من خلال تطبيق أسس ومعايير التنسيق الحضارى وإعادة تأهيل المبانى ذات القيمة المتميزة بتوظيفها بأنشطة مناسبة، ما يدر عائداً اقتصادياً يحقق وسيلة تمويل ذاتية للحفاظ وتطوير الحديقة، إضافة لإجراء توثيق علمى للقناطر شامل المبانى والأشجار النادرة من خلال منهج علمى متخصص وذلك بعد ترميمها وتطويرها وتسهيل الوصول إليها، سواء عبر النيل، أو من خلال الطرق.
وكان محمد على قد جلب أنواعاً نادرة من الأشجار من جميع أنحاء العالم لتكون متنزهاً ينتفع به المصريون بجانب الرى وسميت «حدائق الشرق» ثم «القناطر المجيدية» إلى أن تم تغيير اسمها للقناطر الخيرية نسبة إلى الخير الذى عمّ على المصريين نتيجة إنشائها فكانت أهم مشروعات العالم فى هندسة الرى.
لكن الواقع الحالى يؤكد أن مشروع الحدائق التراثية لم تمتد له يد وتوقف عند مرحلة التصريحات والرسومات فقط ولم يتم تنفيذ أى مرحلة من مراحل المشروع الذى أعلنت عنه وزارة التنمية المحلية والمحافظة بالتعاون مع التنسيق الحضارى، ما أدى إلى استيلاء البعض على حرم النيل بفرعيه دمياط ورشيد وأقيمت الكافتيريات وقاعات الأفراح والمبانى المخالفة على كل لون وشكل داخل الحدائق وعلى جانبى النهر وسط حالة غياب من كل الأجهزة لتتحول هذه التعديات الصارخة إلى واقع أليم، خاصة أن بعض المعتدين أقام علاقة إيجارية مع بعض الجهات سواء بطرق شرعية أو غير شرعية لفرض سياسة الأمر الواقع.
“مباشر القليوبية ”  رصدت آلاف التعديات سواء على المسطحات الخضراء بجوار الشوارع المؤدية للحدائق أو على فرعى النيل، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل امتد الإهمال وضرب بجذوره فى أعماق المبانى والكبارى الأثرية المهمة التى تعرض بعضها للسرقة برغم الأهمية التاريخية الكبيرة لهذه المنشآت لتتحول الحدائق التراثية إلى مأوى للكلاب الضالة برغم الزيارات التى قام بها كل المحافظين وعدد كبير من الوزراء المعنيين، ومع كل زيارة تخرج التصريحات لتعلن عن تحويل حدائق الشرق إلى مشروع سياحى ضخم وللأسف ذهبت كل هذه التصريحات أدراج الرياح.
نفس الحال مع القرية السياحية الوحيدة التى تتبع المحافظة وقامت بتأجيرها لأحد المستثمرين منذ أكثر من 20 عاماً وتم فسخ العقد قبل الثورة لتتحول بعدها شاليهات القناطر السياحية، التى تقع فى أجمل بقعة على النيل، إلى «خرابة» بل ومكان آمن للدعارة والبلطجة والخارجين عن القانون، رغم موقعها الفريد.
المسطحات الخضراء فى قبضة البلطجية.. والشاليهات السياحية أوكار للخارجين على القانون
أكثر من خمسة محافظين تعاقبوا على القليوبية وكلهم زاروا منطقة الشاليهات وأطلقوا التصريحات بشأن تطويرها لكن للأسف باءت كل محاولاتهم بالفشل لأسباب كثيرة أهمها شيوع المسئولية بين الوزارات المعنية، إضافة إلى الروتين والبيروقراطية، ما أدى إلى سيطرة أصحاب الكافتيريات وصالات الأفراح المخالفة على الحدائق فضاعت ملايين الجنيهات على الدولة جراء عدم الاستفادة من هذا المكان الذى يعد الأجمل فى القناطر الخيرية.
موفق الكيلانى، أمين إعلام حزب مستقبل وطن، أحد أبناء مدينة القناطر، أكد أن الإشكالية التى تعوق مشروعات تطوير حدائق القناطر هى شيوع المسئولية بين سائر الوزارات المعنية والتى تضم الزراعة والرى، وهما اللاعب الرئيسى بالمنطقة، إضافة إلى الآثار والمحافظة، حيث إن كل الجهات لها ولاية على إحدى مناطق القناطر وإن كانت «الرى» هى صاحبة الولاية على الجزء الأكبر من المدينة السياحية، لكن نتيجة غياب التنسيق فيما بين الوزارات المعنية والمحافظة ضاعت أحلام تطوير المدينة برغم المقومات السياحية النادرة التى تؤهلها لتكون أعظم المدن السياحية.
وأضاف «الكيلانى»   أن المدينة تعانى من نقص شديد فى الخدمات العامة داخل الحدائق التى تستقبل ملايين المواطنين، مشيراً إلى استيلاء بعض البلطجية على أجزاء من الحدائق لتتحول الخضرة إلى كتل خرسانية فى ظل ضعف الرقابة من شرطة السياحة والتموين إلى جانب الارتفاع غير المبرر فى تذاكر الدخول للحدائق الخاصة.
واقترح «الكيلانى» إنشاء هيئة متخصصة تضم الوزارات المعنية التى تتضارب فى اتخاذ القرارات التى من شأنها إعطاء القناطر حقها فى التطوير ووضعها على الخريطة السياحية، مشيراً إلى أن المدينة تمتلئ بالآثار التاريخية والحدائق التى هى قيد الإهمال.
وقال أشرف توفيق، من أهالى منطقة الشاليهات، إن مدينة القناطر اشتهرت منذ نشأتها بمدينة الحدائق إلا أنها تعانى حالة إهمال، مشيراً إلى أن ما أعلن منذ عامين باستغلال الحدائق الـ8 الموجودة وتطويرها لجذب السياحة مجرد حبر على ورق، والواقع يشهد أن شارع الشاليهات، الذى يقع على مساحة 14 فداناً على النيل مباشرة، مهجور منذ 12 عاماً بعد إقامة المستشار عدلى حسين، المحافظ الأسبق للإقليم، دعوى لطرد المستأجرين لتصبح المنطقة مهجورة، وهو أمر يمثل إهداراً للمال العام لتتحول المنطقة إلى مرتع لتجارة المخدرات والصفقات المشبوهة وإسطبلات الخيل.
وأوضح حسن محمدى، أحد الأهالى، أن حدائق وشاليهات القناطر كانت علامة من علامات الرقى والسياحة بالقناطر، لكن حالها أصبح لا يسر عدواً ولا حبيباً، بعد أن تركتها المحافظة، مشيراً إلى أنها تقع داخل القرية السياحية الوحيدة التى تتبع المحافظة والتى قامت بتأجيرها لأحد المستثمرين منذ أكثر من 20 عاماً، وتم فسخ العقد قبل الثورة لتتحول بعدها الشاليهات السياحية والحدائق المحيطة بها إلى خرابة بمعنى الكلمة، بل ومأوى آمن للبلطجية والخارجين عن القانون وأرباب السوابق.
وقال محمود محمد زايد، من أهالى المدينة: «سمعنا عن مشروعات بمليارات الجنيهات منها الممشى السياحى على غرار خليج نعمة بشرم الشيخ ومشروع البانوراما التاريخية والتليفريك، وتحويل محلج محمد على إلى متحف، وتطوير الحدائق التراثية على مدار السنوات الماضية، لكن اكتشفنا أن كله محلك سر ومجرد تصريحات لا وجود لها على أرض الواقع، فالآثار مهملة والسكان أنفسهم يعانون ولا يشعرون بالتغيير».
وأضاف أن حدائق الشرق تستغيث من استمرار موجات الإهمال التى تتعرض لها على مدار أكثر من نصف قرن، وعدم استغلال لمقوماتها الجغرافية والتاريخية والأثرية، مشيراً إلى أن كل هذه المقومات كان يجب أن نضعها منذ زمن طويل على خريطة السياحة الإقليمية والعالمية ولكن تضارب الاختصاصات قضى على كل الأحلام، وأن حدائق المدينة العريقة تحولت بدورها من متنزهات عامة إلى وكر للبلطجية والخارجين عن القانون، الذين يفرضون الإتاوات على الزائرين من خلال تأجير الخيول والدراجات بأسعار خيالية، وكذلك أسعار المشروبات والمأكولات التى تفوق أشهر الفنادق، ما يفسد فرحة واستقبال الناس للأعياد والمناسبات التى يقضون فيها نزهتهم بالقناطر.
النائب حاتم عبدالحميد، عضو مجلس النواب عن دائرة القناطر، قال إن ما يحدث فى حدائق وشاليهات القناطر إهدار للمال العام ولأملاك وأصول مملوكة للدولة والتى تركت دون أى استفادة لأكثر من 12 سنة كاملة تسببت فى تهالك مرافقها قبل مبانيها وأصبحت خاوية على عروشها.
وأوضح أن محافظ القليوبية الأسبق المهندس محمد عبدالظاهر، كان قد أعد دراسة متكاملة لطرح الشاليهات للاستثمار السياحى بالقناطر فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ لكن باءت المحاولات بالفشل، ثم جاء الدكتور رضا فرحات وحاول إحياء المشروع لكن الظروف لم تمكنه هو الآخر حتى تحولت الشاليهات والحدائق إلى «خرابة».
من جانبه، قال المهندس محمد الصادق، مدير إدارة رى القناطر، المشرف على خطة تطوير الحدائق، إن الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الرى والموارد المائية، دشن خطة منذ عامين لاستغلال الحدائق الثمانى التابعة للوزارة وتطويرها لجذب السياحة الداخلية والخارجية ضمن مشروع رئيسى باستغلال كافة الموارد المملوكة للوزارات وزيادة مصادر دخلها، حيث تقرر تطوير حدائق النخيل وأبوقردان والنموذجية ب، وج، والتوفيقية وعفلة والنموذجية أ، والمناشى، مشيراً إلى أن الوزارة أنهت تطوير المرحلة الأولى بتطوير (حديقة التوفيقية) وتم تنفيذ (ملاهٍ وكورنيش ومطعم). فيما يتم العمل فى المرحلة الثانية وهى تطوير (حديقة عفلة) ويجرى الانتهاء فيها من ممشى أهل مصر ونافورة مياه و٨ برجولات خشبية وشلال مياه وبحيرة صناعية ومسرح رومانى. وأضاف «الصادق» أن أسعار تذاكر الحدائق تتراوح بين ٥ جنيهات و20 جنيهاً، وأن أسعار حدائق (النموذجية ب، وج، والتوفيقى، والنموذجية أ، والمناشى) 5 جنيهات، أما (النخيل وأبوقردان) 10 جنيهات، وحديقة عفلة فقط بسعر 20 جنيهاً.
من جهته قال الدكتور علاء مرزوق، محافظ القليوبية: «بدأنا بالفعل العمل ضمن خطة التطوير، وتم عرض فرص الاستثمار السياحى ومشروعات تطوير القناطر بها على أكثر من مستثمر وجهة وشركة ولكن لم نتلق أى عروض حتى الآن ما يعكس عدم جدية المستثمرين».
أضاف المحافظ: «ولكننا فى الوقت نفسه نقوم بتحسين البنية التحتية للمدينة من خلال المرافق والطرق والخدمات الأساسية حتى نستطيع طرحها فى مشروع قومى لتحويلها لمنتجع سياحى محلى وعالمى وتطوير منطقة الحدائق والشاليهات والممشى وأرض المحلج الأثرى للاستفادة من الموقع الفريد والمناطق المتاحة سواء سياحياً أو استثمارياً».

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى